يعتبر الطعن بالاعتراض من طرق الطعن العادية، يسلكه المحكوم عليه بهدف التظلم من حكم صدر بحقه غيابياً، أو بمثابة الوجاهي بهدف إعادة طرح الدعوى أمام ذات المحكمة التي أصدرت الحكم بقصد الغائه وسحبه .
فالاعتراض يهدف إلى إعادة طرح الدعوى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم، وذلك تطبيقا لمبدأ عدم جواز إدانة شخص دون أن يبدي دفاعه، ومن المحتمل أن يكون الحكم غير صحيح لأنه يعتمد فقط على الأدلة قدمها المشتكي فقط [1].
ويعود الاساس القانوني في الطعن بالاعتراض الى ما نصت عليه المادة (184) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العام، والتي نصت على انه”للمحكوم عليه غيابياً أو بمثابة الوجاهي أن يعترض على الحكم في ميعاد عشرة أيام من اليوم الذي يلي تاريخ تبلغه بالحكموذلك باستدعاء يرفعه الى المحكمة التي أصدرت الحكم” وكذلك المادة (15/أ) من قانون محاكم الصلح والتي نصت على ” لا يكون الحكم الصادر غيابياً أو بمثابة الوجاهي قابلاً للاستئناف، الا أنه يجوز الاعتراض عليه خلال مدة عشرة أيام من اليوم التالي للتبليغ”
وتكمن العلّة من إجازة الطعن بطريق الاعتراض في أن الحكم الغيابي أو بمثابة الوجاهي قد يُصدر دون سماع أقوال المحكوم عليه أو دفاعه، ما يُشكل إخلالًا بضمانات المحاكمة العادلة،فقد يكون للمحكوم عليه عذر مشروع يبرر غيابه، كعدم تبليغه أصوليًا بموعد الجلسة، الأمر الذي يستدعي من الناحية القانونية تمكينه من إعادة نظر الدعوى أمام ذات المحكمة بصورة وجاهية، إعمالًا للقاعدة العامة التي تقضي بأنه
لا يجوز الحكم على أي شخص دون منحه الفرصة الكاملة لسماع أقواله وتقديم دفاعه.
إلا أن هذا الحق قد يُثار حوله إشكال تطبيقي، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عن محكمة الأمن العام ومحكمة القوات المسلحة الاردنية، التي تخضع في إجراءاتها إلى نظام قانوني خاص. وتحديدًا يُطرح التساؤل حول:
ما مدى جواز الطعن بالاعتراض على الأحكام الغيابية الصادرة عن محكمة الأمن العام ومحكمة القوات المسلحة الاردني في ضوء التشريعات الجزائية الأردني؟
اولا: موقف قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري من الاعتراض.
عند تحليل قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم (24) لسنة 1966، نجد أنه لم ينص إطلاقًا على الاعتراض كطريق للطعن في الأحكام الغيابية أو بمثابة الوجاهي. وإنما نص في المادة (10/أ) على حق الاستئناف فقط، حيث جاء فيها “.يرفع طلب الاستئناف بموجب استدعاء الى محكمة الاستئناف العسكرية مباشرة او بواسطة المحكمة التي اصدرت الحكم خلال خمسة عشر يوما من اليوم الذي يلي تاريخ صدوره اذا كان وجاهيا ومن تاريخ تبليغه اذا كان غيابيا او بمثابة الوجاهي”.
وهذا النص يُفهم منه صراحةً أن الحكم الغيابي أو بمثابة الوجاهي لا يُطعن فيه بالاعتراض وإنما يُمكن الطعن به فقط من خلال الاستئناف خلال 15 يومًا من تاريخ التبليغ.
وبما أن هذا النص يُنظّم طريق الطعن في هذه الأحكام الجزائية العسكري، فإن الرجوع إلى قانون أصول المحاكمات العام غير جائز قانونًا، تطبيقًا لقاعدة “النص الخاص يقيد النص العام.”
ثانيا: موقف قانون الأمن العام من تنظيم الاعتراض.
عند الرجوع إلى قانون الأمن العام الأردني رقم (38) لسنة 1965، نجد أن المشرّع لم يُنظم الاعتراض صراحة، لا من حيث جوازه ولا من حيث إجراءاته، بل خلا القانون من أي نص يُشير إلى هذا الطريق من طرق الطعن.
وفي ظل هذا الفراغ التشريعي، أحال المشرّع في المادة (85/ج/1) من قانون الأمن العام إلى تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري رقم (24) لسنة 1966، حيث جاء فيها:
” تطبق محكمة الاستئناف الشرطية ومحكمة الشرطة والنيابة العامة للقوة الاحكام والاجراءات المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية العسكري كما تطبق الأحكام المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية فيما لم يرد فيه نص في قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري.”
وحيث إن المادة (85/ج/1) من قانون الأمن العام تُحيل إلى تطبيق الأحكام والإجراءات المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري عند خلو القانون الامن العام من النصوص المنظمة، فإن الباحث يلاحظ أن قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري لم يتضمن نصاً يجيز الطعن بالاعتراض، بل نص على استئناف الاحكام الصادرة غيابياً أو بمثابة الوجاهي،إذ تنص المادة (10/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري على أن “يُرفع طلب الاستئناف بموجب استدعاء إلى محكمة الاستئناف العسكرية مباشرة أو بواسطة المحكمة التي أصدرت الحكم خلال خمسة عشر يوماً من اليوم التالي لتاريخ صدوره إذا كان وجاهياً، أو من تاريخ تبليغه إذا كان غيابياً أو بمثابة الوجاهي”.
ثالثا :التطبيق العملي لمحكمة الأمن العام ومحكمة القوات المسلحة الاردنية
على الرغم من الوضوح التشريعي في اصول المحاكمات الجزائية العسكري بعدم إجازة الاعتراض سندا لأحكام المادة (10/أ) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العسكري، إلا أن محكمة الأمن العام ومحكمة القوات المسلحة في الواقع العملي درجت على قبول الاعتراضات على الأحكام الغيابية وبمثابة الوجاهي الصادرة عنها، مستندة في ذلك إلى أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية العام حيث ،يثير هذا التطبيق عدة ملاحظات ومن اهمها مخالفة نصوص الإحالة الواردة في قانون الأمن العام والاخلال بمبدأ المشروعية الإجرائية، حيث يتم تطبيق نص غير واجب التطبيق أصلًا.
وهذا ثابت من خلال قرار محكمة الامن العام رقم (1835/2020) حيث جاء فيه”….كانت محكمتنا قدر اصدرت حكما غيابيا قابلا للاعتراض في القضية رقم (1835/2020) بتاريخ 3/12/2020،ويتضمن ما يلي “عملا باحكام المادة (177) من قانون الاصول الجزائية ادانة الظنين الشرطي المرمج(س) بالجرم المسند اليه ،وهو الفرار من الخدمة العسكرية خلافا لأجكام المادة (7/ب) من قانون العقوبات العسكري والحكم عليه عملا باحكام ذات المادة ،بالحبس لمدة ستة اشهر محسوبا له مدة التوقيف”
وهذا ثابت ايضا من خلال قرار محكمة الامن العام رقم (1068/2021) حيث جاء فيه “…..ادانة الظنين الرقيب (س) بالجرم المسند اليه وهو مخالفة الاوامر والتعليمات خلافا لأحكلم المادة (37/4) من قانون الامن العام ،والمتمثلة بعدم المحافظة على كرامة وظيفته ،وسلوكه سلوكا لا يتفق والاحترام الواجب لها،وبدلالة المادة (35/1) من ذات القانون ،والحكم عليه بالحبس لمة شهر واحد محسوبا له مدة التوقيف …..قرار صدر بالاجماع بمثابة الوجاهي وعلنا ياسم حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم قابلا للاعتراض”.
رابعا :الاثر المترتب على عدم جواز الطعن بالاعتراض بموجب احكام القانون بالنسبة للظنين.
ان الاثر الجوهري يتمثل في أن القرار الغيابي أو بمثابة الوجاهي الصادر عن المحكمة العسكرية المختصة يصبح قابلاً للطعن بطريق الاستئناف مباشرة، دون المرور بمرحلة الاعتراض وبالتالي يحرم الظنين من ضمانه اساسية من ضمانات التقاضي هي ضمانه الدفاع عن نفسه ، ومن ناحية اخرى،انه في حال تم السماح بالاعتراض خلافاً لأحكام القانون كما بينا سابقا، فإن القرار الصادر عن المحكمة بتثبيت الحكم بالادانة بعد نظر الاعتراض لا يعد من القرارات القابلة للاستئناف ، مما يؤدي إلى إغلاق باب الطعن نهائياً، ويُفوّت على المحكوم عليه فرصة مراجعة الحكم من قبل محكمة أعلى، وعليه، فإن تطبيق الاعتراض خارج إطاره القانوني من شأنه أن يُحدث خللاً في تسلسل طرق الطعن،ويُفضي إلى حرمان المتقاضي من أحد أهم الضمانات الإجرائية المتمثلة في حق الاستئناف.
خامسا: مخالفة المحكمة لنص المادة (10/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكرية، ومدى جواز استئناف النيابة العامة للحكم الصادر بنتيجة الاعتراض
استنادًا إلى الواقع العملي المتّبع أمام كل من محكمة الأمن العام ومحكمة القوات المسلحة، يُلاحظ أن هاتين المحكمتين درجتا على قبول الاعتراضات المقدمة ضد الأحكام الغيابية أو الصادرة بمثابة الوجاهي، بالرغم من عدم وجود سند قانوني صريح يُجيز ذلك في نطاق قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكري. إذ إن المادة (10/أ) من ذلك القانون قد نظّمت الطعن بطريق الاستئناف فقط، ولم تُجز الاعتراض كطريق طعن على الأحكام الصادرة غيابياً أو بمثابة الوجاهي، مما يجعل قبول الاعتراضات على هذا النحو مخالفًا لصريح النص القانوني.
ويترتب على هذا التطبيق العملي المخالف لأحكام القانون أثرٌ إجرائي بالغ الخطورة، يتمثل في أن المحكمة العسكرية، وبعد قبول الاعتراض خلافًا لصريح نص المادة (10/أ) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العسكرية، قد تصدر حكمًا وجاهيًا يقضي ببراءة المتهم، بعد أن كان قد أُدين بموجب حكم غيابي أو بمثابة الوجاهي. ووفقًا للقاعدة الإجرائية المستقرة، فإن الأحكام الغيابية أو بمثابة الوجاهي، وقبل صدور أي اعتراض بشأنها، لا تُطعن إلا بطريق الاستئناف وفقًا لما نص عليه قانون اصول المحاكمات الجزائية العسكري، ما يعني أن الاعتراض غير مقرر أصلًا في هذا السياق.
وعليه، فإن الحكم الوجاهي الصادر نتيجة السير بإجراءات اعتراض غير جائز قانونًا، يُصبح بمنزلة حكم نهائي غير قابل للاستئناف، وذلك لأن الاستئناف وفقًا للمادة (10/أ) ينصب فقط على الأحكام الصادرة قبل الاعتراض، وليس بعده.،كما ان الاعتراض غير جائز قانونا في المحاكم العسكرية ابتداء فكيف تقوم النيابة العامة باستئناف قرار حكم ناتج اعتراض مخالف للقانون وعليه، فإن هذا المسلك يُفضي عمليًا إلى حرمان النيابة العامة من حقها في الطعن على الحكم الصادر بالبراءة بعد الاعتراض.
إن هذا الوضع يُحدث اختلالًا جوهريًا في ميزان العدالة، ويقوّض مبدأ التقاضي على درجتين، ويمنح المتهم مزية إجرائية غير مستمدة من نص قانوني، مقابل تقييد صلاحية النيابة العامة في استعمال وسائل الطعن المشروعة، وهو ما يستوجب التصدي له تشريعيًا .
ويُوصى في هذا السياق ضروره تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية العسكري او قانون الامن العام بخصوص الطعن بالاعتراض، بما يُسهم في تحقيق الانسجام والتكامل بين القواعد القانونية والتطبيقات القضائية.
[1] الزعبي، مروان “المعالجة التشريعية للأحكام الصادرة بمثابة الوجاهي وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني” مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الشرعية والقانونية، المجلد ۲۸ ، العدد الرابع، 2020، ص 333


